وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ
في ظلال قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ( [ سورة البقرة، الآية: 197].
يقول القرطبي رحمه الله في كتابه "الجامع لأحكام القرآن": "قوله سبحانهوَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ)أمرٌ باتخاذ الزاد. قال ابن عمروعكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد، نزلت الآية في طائفة من العرب كانت تجيء إلى الحج بلا زاد، ويقول بعضهم: كيف نحج بيت الله ولا يطعمنا، فكانوا يبقون عالة على الناس، فنهوا عن ذلك وأمروا بالزاد".
وقال ابن العربي رحمه الله:أمر الله تعالى بالتزوّد لمن كان له مال ومن لم يكن له مال، فقد خاطب الله أهل الأموال الذين كانوا يتركون أموالهم ويخرجون بغير زاد ويقولون نحن المتوكلون، رُوي عن ابن عباس رضى الله عنه، أن هذه الآية نزلت في ناس من اليمن يحجون بغير زاد. ويقولون نحن متوكلون بحج بيت الله، أفلا يطعمنا فيتوصلون بالناس وربما ظلموا وغصبوا فأمروا بالتزود وألاّ يظلموا، ويكونوا كّلاً على الناس.
يقول أبو حيان رحمه الله في كتابه "البحر المحيط" :"فعلى ما رُوي من سبب النزول لهذه الآية، يكون أمراً بالتزوّد في الأسفار الدنيوية، والذي يدل عليه سياق ما قبل هذا الأمر وما بعده، وقيل: إن الأمر بالتزود هنا هو بتحصيل الأعمال الصالحة التي تكون للحاج كالزاد إلى سفره للآخرة.
وقيل: أُمِرَ بالتزود لسفر العبادة والمعاش، وزاده الطعام والشراب والمركب والمال، وبالتزود لسفر المعاد، وزاده التقوى تقوى الله تعالى.
فنخلص من هذا كله إلى ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه أمرٌ بالتزود في أسفار الدنيا.
الثاني:أنه أمرٌ بالتزود لسفر الآخرة.
الثالث:أنه أمرٌ بالتزود في السفرين، وهو الذي نختاره.
قال أبو بكر الرازي رحمه الله:احتمل قوله "وتزودّوا"، الأمرين من زاد الطعام وزاد التقوى، فوجب الحمل عليهما إذ لم تقم دلالة على تخصيص أحد الأمرين.
ويستفاد من هذه الآية أمور، منها:
1- أن يكون زادنا إلى الآخرة اتقاء القبائح، فإن ذلك خير الزاد، فليس السفر منالدنيا بأهون من السفر في الدنيا، وهذا لابد له من زاد فكذا ذلك بل يزداد. وإذا كان زاد الدنيا يخِّلص من عذاب متقطع موهوم، فإن زاد الآخرة ينجي من عذاب أبدي معلوم.
2- أن في الآية ما يدل على أن القادر على استصحاب الزاد في السفر إذا لم يستصحب، عصى الله في ذلك، إذ فيه إبطال لحكمة الله تعالى، ودفع الوسائط والروابط التي عليها تدور المناجح، وبها تنتظم المصالح.
3- أن في الآية دعوةً إلى التزود في رحلة الحج، زاد الجسد وزاد الروح، فقد جاء التوجيه إلى الزاد بنوعيه، مع الإيحاء بالتقوى في تعبير عام دائم الإيحاء، والتقوى زاد القلوب والأرواح..